تشهد محافظة ديرالزور أكبر تصعيد عسكري بين الأطراف العسكرية المتصارعة منذ انتهاء المعارك مع تنظيم…
قراءة حول الضربات التركية على مواقع قسد خلال الأيام الأخيرة
شهدت مناطق شمال وشمال شرق سوريا خلال الأيام الأخيرة قصفاً كثيفاً من البر والجو من قبل القوات المسلحة التركية على نقاط ومواقع عسكرية وأخرى اقتصادية تتبع لقسد، وهذا القصف لم يأتي بشكل مفاجئ إنما سبقته أحداث عديدة نستعرض أبرزها في هذا المقال…
البداية كانت عندما أطلق زعيم الحركة القومية التركية ”دولت بهشتلي” مبادرة تقضي بإطلاق زعيم حزب العمال الكردستاني ”عبدالله أوجلان” وضمه للبرلمان التركي مقابل حل الحزب بشكل نهائي وإنهاء الصراع المسلح المستمر بين الطرفين منذ عشرات السنين، ولقيت المبادرة ترحيباً في أوساط الساسة الأتراك الذين رأوا فيها حلاً عقلانياً لإنهاء الصراع.
الرجل الثاني في حزب العمال والمتزعم حالياً للحزب ”جميل بايك” قال في ردٍّ على المبادرة التركية أن أوجلان لا سلطة له على الحزب ولا يملك صلاحيات تخوله لحل الحزب، وكان هذا التصريح بمثابة رفضٍ للمبادرة التركية حتى وإن قبلها عبدالله أوجلان، وهو ما يناقض المزاعم التي يقاتل من أجلها عناصر الحزب والتي أبرزها إعطاء الأكراد حقوقهم وإخراج أوجلان بحسب زعمهم.
وبعد يوم واحد فقط من إطلاق المبادرة التركية شهدت منطقة قهرمان قازان في العاصمة التركية أنقرة هجوماً مسلحاً على منشأة الصناعات الجوية والفضائية التركية ”توساش” أودى بحياة 5 أشخاص وإصابة العشرات.
وأعلن حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن الهجوم الذي نفذه شخصان أحدهما فتاة كاشفاً عن هويتهم، في رفض واضح لأي مبادرة صلح مع تركيا التي توعد مسؤولوها وعلى رأسهم أردوغان الحزب بردٍّ قاسٍ على الهجوم الذي نفذوه في أنقرة.
وتوالت ردود الفعل الدولية حول الهجوم حيث أدانت معظم الدول الغربية هجوم أنقرة وعلى رأسها الولايات المتحدة التي أكدت بدورها أن لتركيا الحق في محاسبة المعتدين على أرضها، وتُعتبر الولايات المتحدة هي المكون الأبرز في التحالف الدولي حليف قسد الرئيسي في سوريا.
وبالعودة إلى قسد التي تعتبرها تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني في سوريا، فقد صرح أردوغان أن منفذي الهجوم تسللوا من سوريا عبر طائرات شراعية -على الرغم من أنهم يحملون الجنسية التركية- في إشارة واضحة من أردوغان على أن قسد ضالعة في هجوم أنقرة، وعلى إثر ذلك بدأ الجيش التركي حملة قصف كثيفة عبر الطائرات الحربية والمُسيّرة وراجمات الصواريخ والمدفعية استهدف فيها مواقع عسكرية وأمنية واقتصادية تسيطر عليها قسد في محافظات الحسكة والرقة وحلب شمال سوريا.
القصف التركي دمر منشآت نفطية أبرزها محطة عودة بريف القحطانية وحقل غاز السويدية قرب المالكية شمال الحسكة، بالإضافة إلى استهداف مستودعات أسلحة ومقرات في كل من القامشلي وعامودا والدرباسية شمال الحسكة، وكما قصفت تركيا مواقع قسد في محيط بلدة عين عيسى شمال الرقة، في حين استهدفت المُسيّرات التركية نقطة أمنية لقسد قرب معبر عون الدادات بريف منبج شرق حلب ما أسفر عن إغلاق المعبر.
واستهدفت قسد ردّاً على القصف التركي الأحياء السكنية بالقذائف الصاروخية في مدينتي مارع والباب شرق حلب موقعة عدداً من الإصابات في صفوف الأهالي، في حين لم تطلق رصاصة واحدة باتجاه الأراضي التركية التي لا تبعد عن المناطق التي تسيطر عليها سوى مئات الأمتار فقط!!
وعلى ضوء التطورات الجارية قال متزعم قسد مظلوم عبدي في كلمة مرئية أن قسد لا تربطها أي علاقة بحزب العمال، وأن الصراع بين تركيا والحزب هو شأن تركي داخلي، وهدف تركيا من هذا القصف هو تدمير الإدارة الذاتية، في الوقت الذي تتطلع قسد فيه إلى إقامة علاقات حُسن جوار مع تركيا، وحمّل عبدي القوى المتحالفة مع قسد -التحالف الدولي وروسيا- المسؤولية عن تقصيرهم في كبح الضربات التركية على حسب تعبيره.
حديث مظلوم عبدي الذي جاء بعد اشتداد وتيرة القصف التركي دلالة على تنصله من الارتباط بحزب العمال الكردستاني، لا سيما وأن مظلوم عبدي ذاته هو واحد من ضمن كوادر الحزب التي قاتلت تركيا في جبال قنديل شمال العراق وبعد ذلك دخلت إلى سوريا إبان اندلاع الثورة السورية عام 2011.
ويرى مراقبون أن قسد تحاول إبعاد القصف التركي عن مواقعها بلا جدوى، ففي الوقت الذي ترتفع فيه صور التركي عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال وتُدَرّس كتبه لدى قسد، ويشغل كوادر حزب العمال معظم المناصب العسكرية والاقتصادية في إدارة قسد الذاتية -ومنهم حملة للجنسيتين التركية والإيرانية-، تأتي قسد على لسان زعيمها لتقول أن لا علاقة تربطها بحزب العمال.
الأحداث الأخيرة كشفت عن مدى الخلافات والتناقض بين كوادر حزب العمال سواء في سوريا أو تركيا والعراق، فهم يصدرون أوجلان على أنه الزعيم الأبرز الأوحد والأب الروحي لكل الأكراد لكنهم لا يقبلون بقراراته -حتى قبل أن يقول أنه قبلها أو رفضها-، أما عن فرعه السوري -قسد- فيخرج زعيمه معلناً إنهاء ارتباطه بالحزب الذي قاتل في صفوفه وتشرّب بأفكاره بينما تتغنى وسائل إعلام قسد بعمليات الحزب ضد الأتراك في مفارقة عجيبة… فهل سنشهد انشقاقات وتحالفات جديدة في صفوف هذه التنظيمات، أم أن التصريحات الأخيرة لا تتعدى نطاق المناورات السياسية لتجنب القصف التركي وخاصة على مستوى الفرع السوري قسد.
This Post Has 0 Comments